حكم زيارة القبور للنساء

للاستاد ابو حفص

حكم زيارة القبور للنساء


حكم زيارة القبور للنساء
اختلف العلماء في زيارة القبور للنساء بين الاباحة والكراهة والحرمة....
وكان لكل منهم دليله والاصل عند الاختلاف في مسالةفقهية ما ان نبين راي العلماء مع ادلة كل منهم لا ان نتمترس خلف من نهوى لنحرم على من راى غير راينا ولا لنكفر او نصم بالشرك من كان لديه ادلة شرعية فيما اعتمد من الاحكام.
الراي الاول:
جواز زيارة النساء للقبور.وادلة من اجاز ذلك
1(-كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ) اخرجه مسلم في صحيحه7/46 والنسائي 4/73 والحاكمفي المستدرك1386
وفي رواية (فزوروها فانها تذكر بالاخرة)الترمذي 4/159 وفي رواية الحاكم(وترق القلوب وتدمع العين فلا تقولوا هجرا)الحاكم 1393.
والخطاب يتناول العموم الرجال والنساء لان النساء نهين عن الزيارة من قبل فيتناولهن الاذن بالزيارة عند أمن الفتنة في خروجهن كما جاء في شرح العسقلاني لشرج البخاري 3/148
2-عن انس بن مالك رضي الله عنه قال (مر النبي صلى الله عليهوسلم بامراة تبكي عند قبر ,فقال اتقي الله واصبري قالت:اليك عني فانك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه,فقيل لها انه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت:لم اعرفك فقال : انما الصبر عند الصدمة الاولى)البخاري 1283 ومسلم926
وجه الدلالة بهذا الحديث انه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر وتقريره لها حجة ودليل انما نهاها عن تعظيم المصيبة وامرها بالصبر ولو كان الامر محرما لما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
3-ممن مل اذن بالزيارة للرجال والنساء السيدة عائشة رضي الله عنها,
عن ابن جريج عن ابن ابي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بحبشي قال فحمل الى مكة فلما قدمت عائشة اتت قبر عبدالرحمن بن ابي بكر وقالت:
وكنا كندماني جديمة حقبة..............من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا .............لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
اخرجه عبد الرزاق في المصنف 3/6535 والترمذي (1055) وهو حديث ثابت وقد تررد في قسم السنن بين الصحة والضعف.
فان قيل ان زيارة امنا عائشة لم تكن قصدا فهذا الموضوع خارج عن محل النزاع فيه لان الزيارة وقعت قصدا.
اخرج ابن عبد البر في التمهيد 3/253 بسند ثابت عن ابن ابي مليكة قال ركبت عائشة رضي الله عنها فخرج الينا غلامها فقلت اين ذهبت ام المؤمنين؟قال ذهبت الى قبر اخيها عبد الرحمن تسلم عليه, فهذا الاثر صريح في قصد زيارة قبر اخيها.
وفي روايةاخرى قال لها ابن ابي مليكة(اليس نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟قالت نعم.كان نهى عنها ثم امر بزيارتها. صحيح البخاري بشرح العسقلاني 3/149 الحاكم في المستدرك 1392 والذهبي في التلخيص.
4-عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ان جبريل اتاني حين رأيت فناداني فاخفاه عنك فأجبتهه فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت ان قد رقدت فكرهت ان اوقظك وخشيت ان تستوحشي فقال : ام ربك يأمرك ان تاتي اهل البقيع فتستغفر لهم.قالت : قلت كيف اقول لهم؟يا رسول الله قال)قولي السلام عليكم اهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستاخرينوانا ان شاء الله بكم للاحقون).
قال الامام اللنووي في شرح صحيح مسلم 2/638 فيه دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور.
5-ان تعليل الاذن بالزيارة بانها تذكرة للاخرة وترقيق للقلوب وتذكير بالموت ...هو امر مشترك بين الرجال والنساء فالمرأة تحتاج كما يحتاج الرجل المسلم الى ما يذكرها بالاخرة ويزهدها في الدنيا وليس الرجال باحوج من النساء في هذا.
6-حديث اللعن(لعن الله زوارات القبور)الذي رواه الترمذي في جامعه قال(وقد رأى بعض اهل العلم ان هذا كان قبل ان يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور فلما رخص دخل في الرخص الرجال والنساء)جامع الترمذي 4/160
وقال ابن عبد البر ان هذا –لعن زوارات القبور-قبل الاباحة بزيارتها عن القاري بشرح البخاري للعيني 8/69 او ان الاحاديث الدالة على تحريم زيارة النساء للقبور فمحمول على زيارتهن المقرونة بمحرم كالنوح واللطم ...وغير ذلك (تحفة الاحوذي بشرح جامع الترم 4/161
هذا الحديث مخرج في المسند والسنن وله طرق عن ابن عباس وابي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنه ,اجاب القرطبي ان هذا اللعن انما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ولعل السبب ما يفضي اليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج وماينشأ من صياح وندب ولطم ...الفتح 3/149
اولا الحديث منسوخ بحديث بريدة كما صرح به الجاكم والذهبي وهو معارض بما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن زيارة القبور ثم امر بزيارتها صححه الذهبي في حاشية المستدرك وقال حديث صحيح ,وهو معارض بفعل عائشةبزيارة قبر اخيها عبد الرحمن فهل كانت عائشة تريد مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتستحق اللعن كما في الحديث؟؟
وهو مخالف لما ثبت من فعل فاطمة الزهراء عليها السلام من زيارتها لفبر ابيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفنه وزيارتها لقبر عمها حمزة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل جمعة او كل اسبوع مرتينفهل تريد فاطمة مخالفة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم او انها غير عارفة لسنة ابيها وهل اهل البيت ادرى بما في البيت ام نحن؟ مع ان زيارتها كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت زيارتها سبع سنوات في عهده صلى الله عليه وسلم فكيف لا ينهاها وكذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم, ورد عن علي عليه السلام لما رمس رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فوقفت على قبره صلى الله عليه وسلم واخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينها وبكت .. ولم ينهها علي ولا احد من الصحابة ان كانت الزيارة محرمة.
من هنا فان فتوى علماء الجمهور على الجواز اما اللعن يفيد تحريم الزيارة لقة صبرهن وهنا يمكن التحريم لقلة الصبر والجزع واللعن...
وعن ابا عبد الله احمد بن حنبل- عندما سئل عن المرأة تزور القبر- قال ارجو ان شاء الله ان لا يكون به بأس وعن ابن عابدين هل تستحب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للنساء؟ الصحيح نعم بلا كراهة بشروطها,اما على الاصح عند الاحناف وهو قول الكرخي وغيره ان الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعا بلا اشكال اما على غيره اي غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم نقول بالاستحباب لاطلاق الاصحاب بل واجنة (شرح اللباب330) وقال ابن الرفعة والقمولي تندب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر قبور الانبياء والاولياء كذلك.
البحث في الحديث من حيث السند
ورد حديث اللعن بثلاث طرق 1- عن حسان بن ثابت 2- عن ابي هريرة 3- عن ابن عباس,
1- ورد عن ابن ماجه بطرقه الثلاث
2- ورد عن الامام احمد بطريقتين من الثلاث عن حسان وابي هريرة
3- الترمذي عن طريق ابي هريرة
4- ابو داوود عن طريق ابن عباس فقط ,
اما البخاري ومسلم فلم يخرجا الحديث بالمرة ..
كما ان اصحاب السنن لم يتفقوا على طريق من الطرق ..نعم ان الطريق الثالث وهو حديث ابي هريرة افق عليه ابن ماجه واحمد والترمذي.. الطريق الاول اتق عليه ابن ماجه واحمد ..اما الطريق الثاني اتفق عليه ابو داوود وابن ماجه .

مناقشة الطريق:
الطريق الاول: نقيه ابن ماجه واحمد عن حسان بن ثابت في السند عبدالله بن عثمان بن خثيم واحاديثه ليست بالقوة لما رواه ابن معين وابن ابي حاتم , وفيه رأيان
1- انه لايحتج به
2- عن النسائي انه ليّن وفي الطريق عبد الرحمن بن بهمان ولك يحدث عنه سوى ابن خيثم , وقال ابن المدينيّ لا نعرفه .
اما الطريق الثاني ففيه ابو صالح وهو باذان ,قال ابو حاتم لا يحتج به وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن عدي ولم اعلم احدا من المتقدمين رضيّه .
اما الفريق الثالت :عن ابي هريرة ففيه عمر بن ابي سلمة قال النسائي ليس بالقوي وقال ابن خزيمة لا يحتج بحديثه وقال ابن معين هو ضعيف وقال ابو حاتم لا يحتج به ,
الدليل السابع : ما رواه الامام احمد ..5/ 350 ..مسلم 9770 ..الترمذي 1054.عن عبدالله بن بريدة بن الحصيب عن ابيه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( نهيتكم عن ثلاث وانا آمركم بهن ..نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فان في زيارتها تذكرة .
مفاد الحديث انه بعد النهي قد جاء الامر بالزيارة وهذا نص في نسخ الحظر السابق واختلف العلماء في الامر الوارد بعد الحظر ما بين الوجوب والاباحة وللمزيد من التفصيل في الامر مراجعة شرح الاسنوي على منهاج البيضاوي 2/43 وكما اختلفوا في الامر بعد الحظر اختلفوا في دخول النساء في هذا الامر فالمختار عند الشافعية انهن لا يدخلن في ضمن الرجال خلافا للجمهور الذين احتجوا بخبر (( اتق الله واصبري وخبر عائشة الذي تقدم ذكره . )
الدليل الثامن : عن ام عطية رضي الله عنها قالت ( كنا ننهى عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا ) مسلم 938 قال الامام النووي في شرح مسلم 2/599 معناه نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك نهي كراهة وتنزيه لا نهي عزيمة وتحريم .وقد اورد الحاكم في المستدرك 1396 انفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة وشهداء احد فتصلي وتبكي عنده .
ادلة المانعين :
الدليل الاول : عن دينار ابي عمر عن ابن الحنفية عن علي رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا نسوة جلوس فقال ما يجلسكن قلن : ننتظر الجنازة قال: ( هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا هب تدلين قلن لا قال فارجعن مازورات غير مأجورات ) حديث حسن له شاهد اخرجه ابو يعلى في مسنده 7/109 ,الحديث اخرجه ابن ماجه في اتباع الجنائز وليس صريحا في منع الزيارة فان قيل تحريم الزيارة تؤخذ من الفحوى , الاجابة ان الاخد بالفحوى يؤخد به ما لم يعارض النص والفحوى تعارضه احاديث جواز الزيارة التي ذكرت في ادلة المجوزين .
الدليل الثاني : عن ابي عبد الرحمن الحبلي عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال قبرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني ميتا فلما فرغنا انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفنا معه فلما حاذ بابه وقف فاذا نحن بامراة مقبلة قال : اظنه عرفها فلما ذهبت اذا هي فاطمة فقال لها : ما اخرجك يا فاطمة من بيتك ؟؟ قالت اتيت يا رسول الله اهل هذا البيت فرحمت اليهم ميتهم او عزيتهم به فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك بلغت معهم الكدي قالت معاذ الله وقد سمعتك تذكر فيها ما تذكر قال لو بلغت معهم الكدي فذكر تشديدا في ذلك )
الحديث التشديد في الذهاب جماعة مختلطين من الرجال والنساء للبور بدليل قوله معهم فلو كان الحديث متعلق بالنساء فقط لقال معهن فعلم ان التشديد والنهي متعلق بصورة الاختلاط .
الدليل الثالث : حديث لعنة زوارات القبور : وقد سبق ان ذكرنا سنده وطرق تخريجه وعلله ,,
مذهب العلماء في زيارة النساء للقبور :
1- السادة الاحناف : الكراهة للنساء وعندهم تفصيل في شرح ابن عابدين 1/604 قال الرملي ان كان ذلك لتشديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن فلا يجوز وعليه يحمل حديث : لعن الله زائرات القبور ) اما ان كان للاعتبار والترحم من غير البكاء والتبرك بقبور الصالحين فلا بأس اذا كن عجائز ويكره اذا كن شواب .انتبهى قول ابن عابدين
2- السادة المالكية : المعتمد عندهم الاباحة للقواعد ويحرم على الشواب اللواتي يخشى عليهن الفتنة حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/422 .
3- السادة الشافعية : المعتمد عندهم الكراهة كما في الروض 2/139 والتحفة 3/199 والنهاية 3/36
4- السادة الحنابلة : فعلى روايتين الاولى تكره والثانية بالجواز في المغني 3/523 والمستوعب 3/161 والمقنع 1/287
واجمع الجميع على حرمة الزيارة ان كانت للنياحة والندب واللطم ومزاحمة الرجال اما ان خلت من ذلك فحكمها كما ذكرنا