السراج المنير
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


اسلامي ثقافي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نور اليقين




المساهمات : 216
تاريخ التسجيل : 07/03/2008

الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات Empty
مُساهمةموضوع: الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات   الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات I_icon_minitimeالجمعة مارس 07, 2008 7:29 am

الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم


آيات الصفات



لقد اجتنبت في هذا الكتاب الخوض في المسائل الكلامية ، وأعرضت عن سرد اختلافات المتكلمين ، ولكن مسألة ( آيات الصفات ) قد طال فيها المقال ، وكثر الجدال ، ولا بد من بعض البسط للكلام فيها .

لقد وصف ربنا نفسه في القرآن بالفاظ موضوعة في الأصل للدلالة على معانٍ أرضية ، ومقاصد بشرية ، مع أن الله ليس كمثله شيء ، وهو الرب الخالق ، تعالى على أن يشبه المخلوقين ، ولا يمكن أن تفهم هذه الألفاظ حين إطلاقها على الله ، بالمعنى نفسه الذي تفهم به حين إطلاقها على المخلوق .

فنحن نقول فلان عليم ، وفلان بصير ، ونقول إن الله عليم ، بصير ، ولكن الكيفية التي يَعلَم بها العبد ويبصر ، لست هي التي يعلم بها ربنا ويبصر . وعلم العبد وبصره ليس كعلم الله وبصره . كذلك نقول استوى المعلم على منبر الفصل ، ونقول استوى الله على العرش ، نحن نعرف معنى الاستواء ( القاموسي ) ونطبقه على المعلم ، ولكن هذا المعنى لا يمكن أن يكون هو بذاته المقصود حين نقرأ { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } .

هذا كله متفق عليه بين العلماء ، فهم جميعاً مقرون بأن آيات الصفات هي كلام الله . فإذا قال الله : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } ، لم يستطع أحد أن يقول : ما استوى .

وهم جميعاً معترفون بأن المعنى ( القاموسي ) البشري لكلمة ( استوى ) ليس هو المراد من قوله { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } .

ولكنهم مع ذلك اختلفوا اختلافاً كبيراً ، في المراد المقصود ، بعد اتفاقهم على ترك التعطيل والتشبيه ، تساءلوا :

هل هذه الآيات حقيقة أم مجاز ؟



وهل تؤوّل أم لا تؤوّل ؟

أما الذين أوّلوا فقالوا بأن الحقيقة هي استعمال اللفظ بالمعنى الذي وضع له . وهذا هو تعريف الحقيقة عند عامة علماء البلاغة ، ولا شك أن اللسان العربي الذي نزل به القرآن ، وُضعت فيه هذه الألفاظ قبل نزول القرآن ، ووضعت لمعانٍ أرضية مادية ، حتى إنها لتعجز عن التعبير عن العواطف والمشاعر البشرية ، فضلاً عن التعبير عن صفات الله خالق البشر ، فإن مظاهر الجمال وأشكاله لا حدَّ لها ، وما عندنا لها كلها إلا كلمة ( جميل ) ، وأين جمال المنظر الطبيعي ، من جمال القصيدة الشعرية ، من جمال العمارة المزخرفة ، من جمال الغادة الحسناء ؟ وفي النساء ألف لون من ألوان الجمال ، وما عندنا لها كلها إلا هذا اللفظ الواحد ، فاللغات تعجز عن وصف الشعور بالجمال .

وكذلك القول في الحب ، في تعداد أنواعه ، واختلاف مشاعره ، وضيق ألفاظ اللغة عن وصف هذه الأنواع ، ونعت هذه المشاعر ، فكيف تحيط بصفات الله وتشرح كيفياتها ؟ .

وإذا كانت الحقيقة هي ( استعمال اللفظ فيما وضع له ) ، وكانت ألفاظ : ( استوى - وجاء - وخادع - ويمكر - ونَسِيَهم ) إنما وضعت للمعاني الأرضية البشرية المادية ، وكان استعمالها في القرآن في قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } { وَجَاءَ رَبُّكَ } { وَهُوَ خَادِعُهُمْ } { وَيَمْكُرُ اللَّهُ } وقوله { فَنَسِيَهُمْ } فـي غير هذا المعنى المادي الأرضي البشري الذي وُضعت له ، لم تكن إذن ( حقيقة ) بمقتضى تعريفهم هذا للحقيقة .

ومن ينكر أنها مجاز ، ومنهم ابن تيمية ، يعرّف ( الحقيقة ) تعريفاً آخر خاصاً به ، غير التعريف الذي جرى عليه البلاغيون ، ويقول ما معناه : إن تأويل هذه الألفاظ ، أي تفسيرها تفسيراً مجازياً ، والجزم بأنه هو المراد مردود ، لأن المعاني المجازية هي أيضاً معانٍ بشرية .

ولقد نظرت فوجدت أن هذه الآيات على ثلاثة أشكال :

1- آيات وردت على سبيل الإخبار من الله ، كقوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } . فنحن لا نقول : إنه ما استوى ، فنكون قـد نفينا ما أثبته الله . ولا نقول : إنه استوى على العرش ، كما يستوي القاعد على الكرسي ، فنكون قد شبهنا الخالق بالمخلوق ، ولكن نؤمن بأن هذا هو كلام الله ، وأن لله مراداً منه لم نفهم حقيقته وتفصيله ، لأنه لم يبيّن لنا مفصلاً ، ولأن العقل البشري - كما قدمنا - يعجز عن الوصول إلى ذلك بنفسه .

2- آيات وردت على الأسلوب المعروف عند علماء البلاغة بالمشاكلة ، والمشاكلة هي كقول القائل:

قالوا اقترح شيئاً نُجِدْ لك طبخه قلت اطبخوا لي جُبّةً وقميصاً

وقول أبي تمام في وقعة عمّورية ، يرد على المنجمين الذي زعموا أن النصر لا يجيء إلا عند نضج التين والعنب :

تسعون ألفاً كآساد الشرى نضجت جلودهم قبل نضج التين والعنب

والآيات الواردة على هذا الأسلوب كثيرة ، كقوله تعالى : { نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } .

فكلمة ( نسوا ) جاءت على المعنى ( القاموسي ) للنسيان ، وهو غياب المعلومات عن الذاكرة ، ولكن كلمة ( فنسيهم ) جاءت مشاكلة لها ، ولا يراد منها ذلك المعنى ، لأن الله لا ينسى : { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً } .
ونقول بعبارة أخرى :



( إن كلمة ( نسوا ) استعملت بالمعنى الذي وضعت له ، وكلمة ( فنسيهم ) استعملت بغير هذا المعنى .

ومثلها قوله { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } اتفق الجميع على أنها معيّة علم لا معيّة ذات ، لأن صدر الآية ينص على أن الله استوى على العرش .

ومثلهـا قولـه { سَنَفْـرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ } ، وقولـه { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ } ، وقولـه { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } .
كل هـذه الآيات لا يجوز فهمها بالمعنى القاموسي ، المادّي ، بل بمعنى يليق به جلّ وعلا .


3- آيات دلت على المراد منها آيات أخرى ، كقوله تعالى :

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } .
تدل على المراد منها آية :

{ وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } .

ويفهم منها أن بسط اليد يراد به الكرم والجود ، ولا يستلزم ذلك ( بل يستحيل ) أن يكون لله تعالى يدان كأيدي الناس والحيوان ، تعالى الله عن ذلك .
وقد جاء في القرآن قوله :

{ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } ، و { بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } ، والقرآن { لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِـنْ بَيْنِ يَدَيْهِ } .

وليس للرحمة ولا للعذاب ولا القرآن ، يدان حقيقيتان .



المحكم والمتشابه :


بيّن الله في القرآن ، أن فيه آياتٍ محكمات ، واضحة المعنى ، صريحة اللفظ ، وآيات وردت متشابهات ، وهي التي لا يَتَّضِحُ (1) المعنى المراد منها تماماً ، بل تكثر أفهام الناس لها ، وتتشابه تفسيراتها حتى يتعسر أو يتعذر معرفة المراد منها ، وآيات الصفات منها ، وأن على المؤمن ؛ أن لا يطيل الغوص في معناها ، ولا يتتبعها فيجمعها ، ليفتن الناس بالبحث فيها (2).




موقف المسلمين منها وكيف فهموها :
المسلمون الأولون ، وهم سلف هذه الأمة ، وخيرها وأفضلها ، لم يتكلموا فيها ، ولم يقولوا إنها حقيقة ، ولم يقولوا إنها مجاز ، ولم يخوضوا في شرحها ، بل آمنوا بها كما جاءت من عند الله على مراد الله .

فلما انتشر علم الكلام ، وأُوردت الشبه على عقائد الإِسلام ، ظهرت طبقة جديدة من العلماء انبرت لرد هذه الشبه ، تكلم هؤلاء العلماء في آيات الصفات ، وفهموها على طريقة العرب ، في مجاوزة المعنى الأصلي للكلمة إذا لم يكن فهمها على طريقة العرب ، في مجاوزة المعنى الأصلي للكلمة إذا لم يمكن فهمها بـه إلى معنى آخر ، وهذا ما يسمى : ( المجاز ) ، أو ( التأويل ) (3



وهو موضوع نزاع بين العلماء طويل . والحق أن هذه الآيات نزلت من عند الله ، من أنكر شيئاً منها كفر ، وأنّ من عطّلها تماماً ، فجعلها لفظاً بلا معنى كفر ، ومن فهمها بالمعنى البشري ، وطبّقه على الله ، فجعل الخالق كالمخلوق كفر . والمسلك خطر ، والمفازة مهلكة ، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها ، واتباع سنن السلف ، والوقوف عند حد النص ، وهذا ما أدين الله به ، وما أعتقده .


*************************


(1) يضح : هي الفعل المضارع من الفعل الماضي ( وضح ) . ومثلها : وعظ ، يعظ .


(2) ومن جمعها كلها ، وألقاها على التلاميذ ، فقد جانب طريقة السلف ، لا سيما إذا ضم إليها أحاديث الآحاد المروية في مثلها ، والتي لا تعتبر دليلاً قطعياً في أمور العقائد عند جمهور العلماء ، وليس معنى هذا أن المرء مخيَّر في قبولها أو ردّها ، بل هناك خلاف فيمن ينازع في دلالتها ، ومن يحملها على المجاز .


(3) التأويل : من آل الأمر إلى كذا أي : صار ، وأوّله إليه ( على وزن فعّل ) أي : صيّره . ولفظ ( التأويل ) جاء في القرآن بمعنيين : تأويل لفظي : أي بيان ما ينتهي إليه معنى اللفظ : { ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً } ، وتأويل عملي : أي بيان ما تنتهي إليه الحال { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } . ومن هنا فرق المتأخرون بين التأويل والتفسير ، فالتأويل ما بيّنا ، والتفسير كشف المعنى من فسر ( مثل سفر ) أي انكشف .



منقول للفائده
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشيخ علي الطنطاوي_رحمه الله_ وآيات الصفات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
السراج المنير :: الفئة الأولى :: التوحيد والعقائد-
انتقل الى: