ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
من هدي القرءان الكريم
قال تعالى{فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله}
الحمد لله رب العالمين لـه النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وصلوات الله البر الرحيم على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى جميع إخوانه من النبيين والمرسلين وبعد:ـ
فإن الله تبارك واعلى قال عن نبيه صلى الله عليه وسلم: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله} الله تبارك وتعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وسلم من محاسن الأخلاق أعلى مرتبة فقد روى مسلم من حديث جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهم سأل الباقر جابرا رضي الله عنهما عن صفة حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصف له حجه صلى الله عليه وسلم فقال في وصفه: إنه صلى الله عليه وسلم رجِلَ من عرفات بعد أن غربت الشمس فأردف أسامة بن زيد رضي الله عنهما حتى وصل إلى مزدلفة ثم بات بمزدلفة ثم صلى الصبح بمزدلفة ثم ذهب إلى المشعر الحرام فوقف ودعا ثم أردف الفضل بن عباس رضي الله عنهما إلى أن وصل إلى منى .
إنظروا إلى هذه الحكمة ما أعظمها أردف أسامة بن زيد من عرفات إلى مزدلفة ثم أردف حين ارتحل من مزدلفة إلى منى الفضل بن عباس رضي الله عنه لم ينظر إلى الهيئة والنسب بل نظر إلى الفضل بالتقوى وذلك أن أسامة بن زيد هو ابن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن زيدا كان مُسترقا وهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم زوَّجَـه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضنته أم أيمن الحبشية وكان أسامة من حيث اللون أسودَ أما ابن عمه صلى الله عليه وسلم الفضل فكان من أجمل الناس أبيض جميل الشعر وسيما جميل، لم ينظر إلى النسب مع أنه من حيث النسب كان الفضل إبن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حيث الشكل كان من أجمل الرجال، لم ينظر إلى ذلك بل نظر إلى أن أسامة أقدم سابقة بالإسلام فبدأ بإرداف أسامة رضي الله عنه أي أركبه خلفه على البعير من عرفات إلى مزدلفة وكان ذلك ليلا، ثم في الغد في صبيحة العيد أردف إبن عمه الفضل بن عباس إلى منى. فهذه هي الحكمة الحقيقية التي ليس فيها إفراط ولا تفريط وهذا هو العدل المقبول المرغوب عند الله وذلك بأنه صلى الله عليه وسلم موفق من قِـبَلِ الله تعالى في تصرفاته طاهر القلب خالص الطوية لا ينظر إلى المال والنسب إنما ينظر إلى الفضل في الدين.
وهكذا كل تصرفاته صلى الله عليه وسلم كانت العناية الربانية تحفها مع أنه نشأ يتيما لم يُجالس الحكماء إنما نزل عليه الوحي وهو ذو أربعين سنة في قومه في مكة وكان أهل مكة لم يكن فيهم إنسان واحد درس الكتب القديمة دراسة واسعة ومع ذلك فقد أدبه الله تعالى وجمله بأحسن الأدب وأحسن الخلق فكان صلى الله عليه وسلم كما وصفه القرءان الكريم قال الله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} وكما كان منعوتا في الكتب القديمة.
كان أحد أحبار اليهود من أهل المدينة يُسمى زيد بن سعية اطلع في بعض الكتب القديمة التي أنزلها الله تعالى على بعض أنبيائه أن نبي ءاخر الزمان يسبق حلمه جهله ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما فأراد هذا الحبر اليهودي بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أن يعرف هل ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم النعت المذكور فيه هل يسبق حلمه جهله وهل شدة الجهل عليه لا يزيده إلا حلما أي مهما أوذي لا يصل إلى التحامق بل لا يخرج عن مقتضى الحكمة فأراد أن يمتحن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعامله بدَين مؤجل لأجل معلوم ثم قبل أن يحل الأجل بثلاثة أيام تعرض زيد بن سعية للمطالبة بالدَين فنال من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة تهز المشاعر فأراد عمر بن الخطاب أن ينتقم منه من شدة تغيظه عليه بما أنه أساء التكلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كاد أن يبطش به فيقتله فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف الحبر زيد أن تلك الصفة والنعت المذكور في وصف محمد صلى الله عليه وسلم أن ذلك ينطبق عليه فعرف أن هذا هو ذاك النبي الذي بشر به الأنبياء فتشهد شهادة الحق فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله. فهذا مثال واحد من أمثلة أعلام نبوته الكثيرة صلى الله عليه وسلم.
ثم إن الحكمة والخلق الحسن كانا من شيم الأنبياء جميعم لأن الله تبارك وتعالى لا يُرسل لهداية عباده إنسانا مغموزا عليه مطعونا فيه بسفاهة أو خيانة أو رذالة أو كذب في الحديث، لا يُرسل إلا إنسانا نشأ على الصدق والعفة والنـزاهة في العرض والخلق وحسن معاملة الناس، فكان محمد صلى الله عليه وسلم أوفى الأنبياء حظا في هذه لا يسبقه في ذلك أحد بعده ولا سبقه أحد قبله. فقد جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس خُلقا. كان اجتمع فيه شتات الفضائل فتحلى بأحسن الشمائل فمن هنا يعلم أن كل ما يروى عن نبي من أنبياء الله مما يخالف هذا المعنى وهو حسن الخلق فهو مفترى مردود على قائله.
روى مسلم في صحيحه عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ والطور فكاد قلبي يطير. أي من حُسن صوته صلى الله عليه وسلم