تااااااااااااااااااااااااابع
وقال الإمام علي رضي الله عنه(13):{ كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان}.
وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم (14)عن أنس بن مالك رضي الله عنه:{ أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء} لا يدل على أن الله في جهة تحت, فلا حجة في هذا ولا في هذا لإثبات جهة تحت أو فوق لله تعالى بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رضي الله عنه في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة:{ تعالى – يعني الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات}. !
وممن نقل إجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على أن الله موجود بلا مكان الإمام النحرير أبو منصور البغدادي الذي قال في كتابه "الفرق بين الفرق" (15) ما نصه:{ وأجمعوا – أي أهل السنة والجماعة – على أنه تعالى لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان}. انتهى بحروفه.
وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني في كتابه "الإرشاد"(16) ما نصه:{ مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات} انتهى.
فكما صح وجود الله تعالى بلا جهة قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن بلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى.
قال القشيري(17):{ والذي يدحض شبههم – أي شبه المشبهة – أن يقال لهم قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقولوا: بلى, فيلزمه لو صح قوله لا يُعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين إما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم – يعني لا بداية لوجودها – وإما أن يقول أن الرب محدَث وهذا مآل الجهلة الحشوية, ليس القديم بالمحدَث والمُحدَث بالقديم}. انتهى.
وقد قال الحافظ النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم(18) ما نصه:{ قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدّثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى:{ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء}(16)[سورة الملك] ونحوه ليس على ظاهرها بل متأوّلة عند جميعهم}. انتهى, يعني تأويلا إجماليّا أو تأويلا تفصيليّا.
وكذا قال المفسرون من أهل السنة كالإمام فخر الدين الرازي في تفسيره(19) وأبي حيان الأندلسي في تفسيره (20) وأبي السعود في تفسيره (21) والقرطبي في تفسيره (22) وغيرهم. وعبارة القرطبي: { ءأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء } قال ابن عباس "ءامنتم عذاب من في السماء ان عصيتموه" ثم قال "وقيل هو اشارة الى الملائكة، وقيل الى جبريل وهو الملك الموكل بالعذاب. قلت : ويحتمل ان يكون المعنى "ءأمنتم خالق من في السماء ان يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون". اهـ
فبَعد هذا يُقال لهذا المجسم أعني الألباني وجماعته: أنتم تعتقدون أن الله جسم متحيّز فوق العرش له مقدار عندكم وهو أنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر على ما قال زعيمكم ابن تيمية في بعض مؤلفاته وفي بعض إنه بقدر بالعرش ويزيد, ولو قال لكم عابد الشمس: كيف تقولون معبودي الذي هو الشمس لا يجوز أن يكون إلـها مع أنه موجود مشاهد لنا ولكم وكثير النفع ينفع البشر والشجر والنبات والهواء ويُطيّب الماء, وضَوْؤه يعُمُّ نفعُه البشر, وأما معبودكم الذي هو جسم تخيلتموه فوق العرش لم تشاهدوه ولا نحن شاهدناه ولا شاهدنا له منفعة, فغاية ما تحتجّون به إيراد بعض الآيات كقوله:{ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ } (16) [سورة الرعد] فيقول لكم عابد الشمس:{ أنا لا أؤمن بكتابكم أعطوني دليلا عقليا}. فهل عندكم من جواب يقطعه كلا, أما نحن أهل السنة الأشاعرة والماتريدية نقول لعابد الشمس: معبودك هذا له حجم وشكل مخصوص فهو محتاج لمن أوجده على هذا الحجم وعلى هذا الشكل, ومعبودنا موجود ليس ذا حجم ولا شكل فلا يحتاج لمن خصّصه بحجم وشكل بخلاف الشمس, فهو الذي أوجد الشمس على حجمها وشكلها المخصوص وهو الذي يستحق أن يكون إله العالم لأنه لا يشبه شيئا من العالم, ويقال أيضا: أنواع العالم العلوي والسفلي له حجم وشكل مخصوص فعلى قولكم الله له أمثال لا تحصى, فتبين أنكم مخالفون لقوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ } (11) [سورة الشورى], فكلمة شيء تشمل كل ما دخل في الوجود من علوي أو سفلي وكثيف ولطيف, فالآية نصٌّ على أن الله تعالى لا يشبه شيئا من هؤلاء أي لا يكون مثل العالم حجما كثيفا ولا حجما لطيفا ولا متحيزا في جهة من الجهات, ولم يقل الله تعالى ليس كمثله البشر ولا قال ليس كمثله الملائكة ولا قال ليس كمثله الشمس, بل عَمَّم فقال:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ }, { والنَّكِرَةُ عند أهل اللغة إذا وقعت في حيِّز النفي فهي للعموم, فمعنى الآية ليس كمثله تعالى شيء من الأشياء على الإطلاق بلا استثناء}اهـ. أما أنتم فقد جعلتموه حجما في جهة فوق تلي العرش وجعلتم له أعضاء فقد شبهتموه بخلقه, فلم يبق لكم إلا أن تقولوا إنه إنسان, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
---------------------------------------
(1)- كتابه المسمى العقيدة الطحاوية شرح و تعليق الألباني (ص/27).
(2)- كتابه المسمى مختصر العلو (ص/72).
(3)- أخرجه الترمذي في سننه: كتاب الفتن: باب ما جاء في لزوم الجماعة.
(4)- انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (2/35).
(5)- انظر كتابه المسمى " صحيح الترغيب و الترهيب" (1/116).
(6)- أخرجه البخاري في صحيحه: أول كتاب بدء الخلق، و كتاب التوحيد: باب و كان عرشه على الماء، و باب قوله تعالى { و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين (171)} و باب قوله تعالى { بل هو قرءان مجيد في لوح محفوظ} و أخرجه مسلم في صحيحه: باب التوبة: باب في سعة رحمة الله تعالى و أنها سبقت غضبه.
(7)- المرجع السابق.
(
- انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (8/5).
(9)- فتح الباري (6/291).
(10)- السنن الكبرى (6/240).
(11)- أخرجه البخاري في صحيحه: أول كتاب بدء الخلق، و البيهقي في الأسماء و الصفات (ص/375).
(12)- الأسماء و الصفات (ص/400).
(13)- رواه الإمام أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق (ص/333).
(14)- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب صلاة الإستسقاء: باب رفع اليدين بالدعاء في الإستسقاء.
(15)- الفرق بين الفرق (ص/333).
(16)- الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (58).
(17)- إتحاف السادة المتقين (2/109).
(18)- شرح صحيح مسلم (5/24).
(19)- تفسير الرازي (30/99).
(20)- البحر المحيط (10/ 226).
(21)- تفسير أبي السعود (9/7).
(22)- الجامع لأحكام القرءان (18/215).