أقوال أئمة الهدى في الحكم بالأحتفال بالمولد النبوي الشريف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
1.الإمام الحجة الحافظ السيوطي: عقد الإمام السيوطي في كتابه "الحاوي للفتاوي" باباً أسماه (حسن المقصد في عمل المولد) ص 189، قال في أوله: وقع السؤال عن عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأول، ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أم مذموم؟ وهل يثاب فاعله أم لا؟
والجواب عندي: أن أصل عمل المولد –الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في بداية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وقع في مولده من الآيات، ثم يُمَدُّ لهم سماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك- هو من البدع الحسنة التي يثاب صاحبها لما فيها من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار الفرح بمولده الشريف.
2.الشيخ ابن تيمية: قال في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم) طبعة دار الحديث/ ص 266 السطر الخامس من الأسفل ما نصه:
"وكذلك ما يحدثه بعض الناس إما مضاهاة للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام وإما محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له، والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد.. وقال: "فإن هذا لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له، وعدم المانع منه" ا هـ.
فهذا قول من ترك التعصب جانباً وتكلم بما يرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أما نحن فلا نفعل المولد إلا كما قال شيخ الإسلام: "محبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيماً له" والله قد يثيبنا على هذه المحبة والاجتهاد ولله در القائل:
دع ما ادعته النصارى في نبيهم
واحكم بماشئت مدحا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ماشئت من شرف
وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسـول الله ليس لـه
حـدٌّ فيـعرب عنـه ناطـق بفم
3. شيخ الإسلام وإمام الشراح الحافظ ابن حجر العسقلاني:
قال الحافظ السيوطي في نفس المرجع ما نصه: "وقد سئل شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل ابن حجر عن عمل المولد فأجاب بما نصه: أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن السلف الصالح من القرون الثلاثة، ولكنها مع ذلك اشتملت على محاسن وضدها، فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كانت بدعة حسنة، وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت، وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم، فقالوا: هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى فنحن نصومه شكراً لله، فيستفاد منه الشكر لله على ما منَّ به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة.. إلى أن قال: وأيّ نعمة أعظم من بروز هذا النبي صلى الله عليه وسلم.. نبي الرحمة في ذلك اليوم، فهذا ما يتعلق بأصل عمله، وأما ما يُعمل فيه: فينبغي أن يُقتصر فيه على ما يُفهم الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم من التلاوة والإطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب إلى فعل الخير والعمل للآخرة" انتهى كلامه رحمه الله.
فهذه الاستنباطات هي التي قال عنها المعارض أنها استدلال باطل وقياس فاسد، وأنكرها، فليت شعري من الناكر ومن المنكور عليه؟
4-الإمام الحافظ محمد بن أبي بكر عبدالله القيسي الدمشقي:
حيث ألف كتباً في المولد الشريف وأسماها: (جامع الآثار في مولد النبي المختار) و(اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق) وغيرها صلوات الله وسلامه عليه.
5. الإمام الحافظ العراقي: وقد سمى كتابه في المولد النبوي (المورد الهني في المولد السني).
6. الحافظ ملا علي قاري: فقد ألف كتاباً في المولد النبوي العطر أسماه: (المورد الروي في المولد النبوي)
7- الإمام العالم ابن دحية: وسمى كتابه: (التنوير في مولد البشير والنذير) صلى الله عليه وآله وسلم,
8-الإمام شمس الدين بن ناصر الدمشقي:
وهو صاحب كتاب: (مورد الصادي في مولد الهادي) صلى الله عليه وآله وسلم وهو القائل في أبي لهب:
إذا كان هذا كافر جاء ذمه وتبَّت يداه في الجحيم مُخَّدا
أتى أنه يوم الإثنين دائـماً يخفف عنه للسرور بأحمـدا
فما الظن بالعبدالذي طول عمـ ره بأحمد مسرورا ومات موحدا
9-الإمام الحافظ شمس الدين ابن الجزري:
إمام القراء وصاحب التصانيف التي منها: (النشر في القراءات العشر) وسمى كتابه: (عرف التعريف بالمولد الشريف).
10- الإمام الحافظ ابن الجوزي:
حيث قال في المولد الشريف: إنه أمان في ذلك العام وبشرى عاجلة بنيل البغية والمرام.
11- الإمام أبو شامة (شيخ الحافظ النووي):
قال في كتابه (الباعث على إنكار البدع والحوادث/ص23) مانصه:
"ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين. اهـ.
12-الحافظ القسطلاني (شارح البخاري):
حيث قال في كتابه: (المواهب اللدنية-1/118- طبعة المكتب الاسلامي) ما نصه: "رحم الله امرءاً اتخذ ليالي شهر مولده المبارك أعياداً، ليكون أشد علة على من في قلبه مرض وإعياء داء" اهـ.
وكذلك ممن ألف وتكلم في المولد: الإمام الحافظ السخاوي، والإمام الحافظ وجيه الدين بن علي بن الديبع الشيباني الزبيدي.. وغيرهم
الكثير ممن لا يتسع المجال لاستقصائهم.
فبالله عليك يا أخي المسلم هل كل هذا الكم من علماء الأمة وفضلائها والذين يقولون بعمل المولد، وألفوا الكتب في هذا الباب زنادقة.. احفاد عبدالله بن سبأ اليهودي؟ وهل هؤلاء العلماء الذين يدين لهم العالم على ما صنفوه من الكتب النافعة في الحديث والفقه والشروحات وغيرها من العلوم هم من الفجار؟ مرتكبي الفواحش والموبقات؟ وهل هم –كما يزعم المعارض-يشابهون النصارىفي احتفالاتهم بميلادعيسى عليه السلام؟؟ وهل هم يقولون أن المصطفى لم يُبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به؟
نترك لك أخي المسلم الإجابة على هذه الأسئلة..
إدعاء باطل
قال المعارض: لو كان الاحتفال بالمولد من الدين لبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم.
والجواب: أن كل ما لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة من بعده.. لا يعتبر تركهم له تحريماً، والدليل على ذلك قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: "من سنَّ في الإسلام سنة حسنة.."الحديث، وفيه أكبر دليل على الترغيب في إحداث كل ما ليس له أصل من الشرع وإن لم يفعله المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم.
قال الشافعي رضي الله عنه: كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف، لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في ذلك الوقت، أو لما هو أفضل منه، أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به. ا هـ
فمن زعم تحريم شيء بدعوى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله فقد ادعى ما ليس له دليل وكانت دعواه مردودة.
ونحن نقول لكم: بناء على القاعدة التي أصّلتموها-وهي أن من أحدث مالم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو صحابته فقد ابتدع في الدين- يُفهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم
يُكمل الدين لهذه الأمة وأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
لم يُبلغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به.. ولا يقول أو يعتقد ذلك إلا زنديق مارق عن دين الله.
ونقول: "من فـمك نديـنك"...فقد أحدثتم في أصل العبادات مسائل كثيرة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولا حتى تابعي التابعين..
فعلى سبيل المثال لا الحصر:
1)جمع الناس على إمام واحد لأداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد.
2) قراءة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح وكذلك في صلاة التهجد.
3) تخصيص ليلة (27) أو (29) لختم القرآن في الحرمين.
4) قول المنادي بعد صلاة التروايح: (صلاة القيام أثابكم الله).
5) قول أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات. فهل هذا حديث شريف، أو قول أحد من الصحابة أو أحد من الأئمة الأربعة؟؟!!
إلى غير ذلك مما لايتسع المجال لذكره.. من تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعات إسلامية، وجمعيات لتحفيظ القرآن، ومكاتب دعوة وإرشاد، وأسابيع احتفال المشايخ.. ، ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء.. إلا أنها من البدع الحسنة التي ينكر هؤلاء القوم على من يفعل أمثالها ثم يفعلونها.
فعملكم لهذه المبتدعات التشريعية التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه تعارض واضح مع قاعدتكم التي تقول: أن العبادات توقيفية وأن كل ما لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه فهو بدعة (سيئة) فلما تكونوا ممن أذن لكم بالتشريع من دون الناس!! وجنت على نفسها براقش!!
ادّعى المعارض أن أكثر من يحيي هذه الموالد من الفساق والفجار.. وهذا كلام إن دل فإنما يدل على معدن قائله، وهو غيض من فيض، وليس لنا من جواب عليه إلا قول المولى عز وجل:
( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)..
وهل كل من ذكرناهم من الأئمة الأعلام في نظر المعارض من الفسقة الفجار ..لا أستبعد أن يقول ذلك!!! سبحانك هذا بهتان عظيم . نقول كما قال القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود
إشكالات عند المعارض:
استشكل المعارض-عافاه الله- بعض الألفاظ وادعى أنها شركيات، ومنها قول العارف بالله الإمام البوصيري:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
ولا ندري كيف حصل عنده هذا الاستشكال،وكيف لم يتمعن في قول الإمام البوصيري "عند حلول الحادث العمم" وبدورنا نحن نسأل القارئ ما هو الحادث العمم؟؟
(العمم) أي الذي يعم الكون بأسره من إنس وجن.. بل وجميع الخلائق، فلن يتبادر ببال أي إنسان إلا أن يكون هذا الحادث العمم يوم القيامة وبعد إيضاح هذا الإشكال لدى المعارض والقارئ يكون المراد من قول الإمام البوصيري هو: طلب الشفاعة منه صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة وذلك لأنه ليس لنا أحد نلوذ به ونتوسل به ونستشفع به إلى الله سوى خير البرية عليه الصلاة والسلام في ذلك المقام الذي يقول فيه الرسل والأنبياء نفسي نفسي، ويقول هو عليه الصلاة والسلام: أنا لها أنا لها.. وبهذا يظهر أن ما استشكله المعارض إنما هو بسبب عمى البصر والبصيرة نسأل الله العافية.
ومثا ل آخر لمثل هذا القول المشكل عند العامة من الناس، ما نقله الإمام الجليل الكمال بن الهمام الحنفي-صاحب فتح القدير في مناسك الفارسي و شرح المختار من السادة الأحناف- لما زار الإمام أبو حنيفة المدينة وقف أما القبر الشريف وقال:
يا أكرم الثقلين يا كنز الورى جُد لي بجودك وارضني برضاك
أنا طامع في الجود منك ولم يكن لأبي حنـيفة في الأنام سـواك
نوايا خبيثة:
يقول المعارض: أنه يحصل في الموالد اختلاط الرجال بالنساء، واستعمال الأغاني والمعازف وشرب المسكرات.. وقد كذب والله، حضرنا مئات الموالد فلم نرى اختلاط ولم نسمع معازف، أما شرب المسكرات فنعم.. رأينا سُكراً ولكن ليس كسُكر أهل الدنيا بالشراب، وجدنا سُكر المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك السُكر الذي يغلب حتى على سكرات الموت، كما حصل لسيدنا بلال رضي الله عنه عندما حضرته المنية.. حين امتزجت حلاوة المحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع سكرات الموت .. حتى غلبت عليها سكرات المحبة، فكان يقول وهو في تلك السكرات:
غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه
قام بأعداده الاستاذ الدكتور / عيسى خليل الطائى
(عاشق عطر النبي )
تابع معى